للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فصلٌ: في الشَّهادةِ على الشَّهادةِ.

تُقبَل الشَّهادةُ على الشَّهادةِ في كلِّ حقٍّ للهِ أو حُقوقِ الآدَميِّين، ولا يُحكَم بالشَّهادةِ على الشَّهادةِ إلاّ أنْ تَتعذَّر شَهادةُ الأصلِ بموتٍ، أو مرضٍ، أو ضَررٍ، أو مَشقَّةٍ ظاهرةٍ؛ لأنه إذا أَمكَن الحاكمَ أنْ يَسمَع شَهادةَ شاهِدَي الأصلِ استَغْنَى عن البحثِ عن عدالةِ شاهِدَي الفَرعِ، وكان أَحوطَ للشَّهادةِ، ولا بُدَّ مِنْ دوامِ عُذرِ شُهودِ الأصلِ إلى حُكمِ القاضِي.

ولا بُدَّ أيضًا مِنْ ثُبوتِ عَدالةِ شاهِدَي الأصلِ، وشاهِدَي الفَرعِ إلى صُدورِ الحُكمِ، ودَوامِ عَدالَتِهم.

مسألة: إذا رَجَع الشُّهودُ لا يَخلُو مِنْ قِسمَين:

الأولُ: أنْ يَكون قَبلَ الحُكمِ بشَهادَتِهم فإنِّها تَسقُط، ولا يَجوز للقاضِي القضاءُ بها؛ لأنه حَصَل تَناقضٌ في كلامِ الشُّهودِ، والقاضِي لا يَقضِي بالمُتناقِضِ.

ولا ضمانَ على الشُّهودِ عندَ رُجوعِهم عن شَهادَتِهم قَبلَ الحُكمِ لأَحدِ الخَصمَين؛ لأنه لا يَثبُت الحقُّ بالشَّهادةِ إلا القضاءِ، ويُعاقَبون بالتَّعزيرِ وذلك في غَيرِ الزِّنَى، وأمَّا في الزِّنَى فإنَّ رُجوعَهم قَبلَ القضاءِ يَنعقِد قَذْفًا لا شَهادةً.

الثَّاني: أنْ يَكون بعدَ الحُكمِ وقَبلَ الاستِيفاءِ، فنَوعان:

النَّوعُ الأولُ: أنْ يَكون في الحُدودِ، والقِصاصِ فلا يَجوز الاستِيفاءُ؛ لِعِظَمِ حُرمَةِ الدِّماءِ.

النَّوعُ الثَّاني: أنْ يَكون المحكومُ به مالاً أو غيرَه مِنْ الحُقوقِ، فقَد اختَلَف

<<  <   >  >>