للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فصلٌ: في استِيفاءِ القِصاصِ.

وهو فِعلُ مَجنيٍّ عليه، أو فِعلُ وَليِّه بِجَانٍ مِثلَ فِعلِه أو شِبهَه.

يُشتَرط له ثلاثةُ شُروطٍ:

أحدُها: كَونُ مُستحِقِّه بالغًا عاقلاً فإنْ كان مُستحِقُّ القِصاصِ صَبيًّا أو مَجنونًا لم يُستَوفَ حتى يَبلُغَ الصَّغيرُ ويَعقِلَ المجنونُ؛ لأنَّ معاويةَ بنَ أَبي سُفيانَ حَبَس هُدْبَةَ بنَ خَشْرَمٍ حتى بَلَغ ابنُ القتيلِ، وذلك في عَصرِ الصَّحابةِ فلَم يُنكَرْ.

فإنْ كان بعضُ المستحِقِّين بالغًا عاقلاً، وبعضُهم صَغيرًا أو مَجنونًا، استُوفِيَ القِصاصُ بطَلَبِ البالغِ العاقلِ؛ للعُموماتِ الواردةِ في القَوَدِ، ومنها قولُه تعالى: ﴿وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ [المَائدة: ٤٥]، وقولُه تعالى: ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البَقَرَة: ١٩٤]، وقولُه تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشّورى: ٤٠].

ولأنَّ الحسنَ بنَ عليٍّ قتَلَ عبدَ الرَّحمنِ بنَ مُلجِمٍ قاتلَ أبيه ولم يَنتظرْ الصِّغارَ.

الشَّرطُ الثَّاني: اتِّفاقُ مستحِقِّي الدَّمِ على القِصاصِ، فإنْ عَفَا بعضُ الوَرَثةِ سقَطَ القِصاصُ؛ لقولِه تعالى: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البَقَرَة: ١٧٨]، فقوله تعالى: ﴿شَيْءٍ﴾ [البَقَرَة: ٢٣١] نَكِرةٌ في سِياقِ الشَّرطِ فتَعُمُّ، فتَشمَلُ الآيةُ كلَّ وَليٍّ، سواءٌ كان رَجُلاً أو امرأةً.

ولأنَّ القِصاصَ لا يَتجزَّأُ، فإذا عَفَا بعضُ الوَرَثةِ سقَطَ حقُّه، ولا يُمكن استيفاءُ نَصيبِ مَنْ لم يَعفُ دُونَ العَافِي.

<<  <   >  >>