قال رحمه الله تعالى: [وإذا رأيت الرجل يطعن على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه صاحب قول سوء وهوى، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا ذكر أصحابي فأمسكوا)، فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون منهم من الزلل بعد موته فلم يقل فيهم إلا خيراً، وقوله صلى الله عليه وسلم:(ذروا أصحابي لا تقولوا فيهم إلا خيراً)، ولا تحدث بشيء من زللهم ولا حربهم، ولا ما غاب عنك علمه، ولا تسمعه من أحد يحدث به، فإنه لا يسلم لك قلبك إن سمعت].
هذه أيضاً قاعدة من القواعد التي تميز بها السلف عن غيرهم تجاه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه حتى الفرق التي تزعم أنها تحترم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنها تخوض في الأحداث التي حدثت بينهم والآراء التي صارت وما شجر بينهم، وهذا خطأ لأسباب ذكرها السلف: منها أن ما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم لم ينقل لنا كله، والذي نقل نقل كثير منه بالخطأ، والذين نقلوها أيضاً فسروا نيات الصحابة رضي الله عنهم واتهموهم بما لم يكن منهم، وما حدث منهم أمر لم نشهده ولم نعلمه على وجه اليقين وانتهى بخير؛ بمعنى أنه انتهى بحيث اتفقوا وميزوا الحق من الخطأ، فالمخطئ منهم اعتذر وتاب، ومن لم يخطئ عفا عما حصل له من قبل أخيه، فإذاً: لا داعي لإثارة مثل هذه الموضوعات.
ثم إنها توغر الصدور أكثر إذا جمع الأحداث التي حدثت بين الصحابة رضي الله عنهم ولم يستوعب فقه هذه الأحداث وما وراءها من اجتهادات ونيات، فيقع في قلب السامع ما لا يجوز في حق هؤلاء الذين زكاهم الله وزكاهم الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولذلك لما ظهرت بعض الأشرطة في الآونة الأخيرة عن بعض طلاب العلم فيما شجر بين الصحابة من الأحداث كره مشايخنا حفظهم الله ذلك، ونهوا عن تداول هذه الأشرطة وعن سماعها وعن بيعها مع أنهم -حسب ما علمت- ما وجدوا فيها أخطاء ذات بال، لكنهم كرهوها وكرهوا تداولها بناء على الأصل، وهو أن ما شجر بين الصحابة لا ينبغي إثارته ولا الحديث فيه؛ لأنه يوقع عامة الناس في أمور قد توجب أن يكون في نفوسهم شيء على بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أحداث لم نشهدها ولم تنقل لنا عن يقين، والذي نقل منها كثير منه خطأ وفسرت فيها نياتهم، وهم أيضاً لقوا ربهم على أحسن حال وانتهت هذه الأحداث بالتصافي بينهم وبالرجوع إلى الحق، ولم يحدث من أحد منهم أن فارق الجماعة أو خرج على السنة، وهذا هو المهم، وما عداه ينبغي يجب الإعراض عنه.
وأنا سمعت الأشرطة وسمعها غيري، فلم أجد فيها شيئاً يخرج عن مقتضى ما عليه عموم أهل السنة والجماعة، ودافع عن الصحابة رضي الله عنهم بعاطفة دينية طيبة يشكر عليها، وهو قد اجتهد في ذلك، وبلغ من قبل المشايخ بأن هذا لا ينبغي.
أما القول بأنه يميل للرافضة في مثل هذه الأشرطة فلم أجد من ذلك شيئاً، فضلاً عن أن يكون الحكم أكبر من ذلك.
والحقيقة أنه لا ينبغي أن يكون بين الناس شيء من هذه التجاوزات، فإذا اجتهد مجتهد في مثل هذه الأمور ينصح فقط، أما أن تصل المسألة إلى حد الاتهام فهذا لا يجوز، وهذا علاج للخطأ بخطأ أكبر منه، وإذا كان قد أخطأ بعض الخطأ فهو قد رجع إلى أهل العلم فيما أعلم، وأرجو أن يكون استفاد من فتاوى العلماء.