[الرضا بالقضاء لا يستلزم امتناع إنكار الكفر وكراهته]
قال رحمه الله تعالى:[فإن قيل: إذا كان الكفر بقضاء الله وقدره، ونحن مأمورون أن نرضى بقضاء الله، فكيف ننكره ونكرهه؟! فالجواب أن يقال: أولاً: نحن غير مأمورين بالرضا بكل ما يقضيه الله ويقدره، ولم يرد بذلك كتاب ولا سنة، بل من المقضي ما يرضى به، ومنه ما يسخط ويمقت، كما لا يرضى به القاضي لأقضيته سبحانه، بل من القضاء ما يسخط، كما أن من الأعيان المقضية ما يغضب عليه ويمقت ويلعن ويذم].
يقصد أن القضاء له وجهان: فمن حيث علمه وتقديره من الله عز وجل يجب أن يرضى به، ومن حيث هو من أفعال العباد ومن حيث كونه معصية فلا شك أنه ينبغي أن يسخط، ولا يسخط على الله عز وجل، تعالى الله عن ذلك، لكن يسخط العيب نفسه، بمعنى أن يكره.
وكذلك القضاء، فالقضاء له وجهان: فمن حيث تقديره ومن حيث إرادته يجب أن يرضى به من الله عز وجل وألا يسخط، ومن حيث جانب المعصية فيه يعاب.
فقوله:[بل من القضاء ما يسخط] يقصد به المعايب والمعاصي والذنوب، ولا يقصد المصائب، وهذا أمر يجب أن يفهم؛ لأن العبارة مجملة، فهو لا يقصد قضاء الله وتقديره العام، إنما يقصد جانب العيب وجانب الذنوب وجانب المعاصي التي هي من أفعال العباد، فهي من وجه قضاء من الله عز وجل، وهي من وجه آخر فعل من العبد، ففعل العبد مذموم ومسخوط، وفعل الله وتقديره مرضي لحكمة منه عز وجل.
قال رحمه الله تعالى:[ويقال ثانياً: هنا أمران: قضاء الله: وهو فعل قائم بذات الله تعالى، ومقضي: وهو المفعول المنفصل عنه.
فالقضاء كله خير وعدل وحكمة، فيرضى به كله، والمقضي قسمان: منه ما يرضى به ومنه ما لا يرضى به.
ويقال ثالثاً: القضاء له وجهان: أحدهما: تعلقه بالرب تعالى ونسبته إليه، فمن هذا الوجه يرضى به، والوجه الثاني: تعلقه بالعبد ونسبته إليه، فمن هذا الوجه ينقسم إلى ما يرضى به وإلى ما لا يرضى به.
مثال ذلك: قتل النفس، له اعتباران: فمن حيث قدَّره الله وقضاه وكتبه وشاءه وجعله أجلاً للمقتول ونهاية لعمره نرضى به، ومن حيث صدر من القاتل وباشره وكسبه وأقدم عليه باختياره وعصى الله بفعله نسخطه ولا نرضى به].