[خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفضائله]
قوله: (ثم لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه).
أي: ونثبت الخلافة بعد عثمان لـ علي رضي الله عنهما.
لما قتل عثمان وبايع الناس علياً، صار إماماً حقاً واجب الطاعة، وهو الخليفة في زمانه خلافة نبوة، كما دل عليه حديث سفينة المقدم ذكره، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء).
وكانت خلافة أبي بكر الصديق سنتين وثلاثة أشهر، وخلافة عمر عشر سنين ونصفاً، وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنة، وخلافة علي أربع سنين وتسعة أشهر، وخلافة الحسن ابنه ستة أشهر.
وأول ملوك المسلمين معاوية رضي الله عنه، وهو خير ملوك المسلمين، لكنه إنما صار إماماً حقاً لما فوض إليه الحسن بن علي رضي الله عنهما الخلافة، فإن الحسن رضي الله عنه بايعه أهل العراق بعد موت أبيه، ثم بعد ستة أشهر فوض الأمر إلى معاوية، وظهر صدق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، والقصة معروفة في موضعها.
فالخلافة ثبتت لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد عثمان رضي الله عنه بمبايعة الصحابة، سوى معاوية مع أهل الشام.
والحق مع علي رضي الله عنه، فإن عثمان رضي الله عنه لما قتل كثر الكذب والافتراء على عثمان وعلى من كان بالمدينة من أكابر الصحابة، كـ علي، وطلحة، والزبير، وعظمت الشبهة عند من لم يعرف الحال، وقويت الشهوة في نفوس ذوي الأهواء والأغراض، ممن بعدت داره من أهل الشام، ومحبي عثمان تظن بالأكابر ظنون سوء].
جاء في بعض النسخ: (ويحمي الله عثمان أن يظن بالأكابر ظنون سوء) وكلا العبارتين صحيحتين، إن كان الخطاب المقصود به عثمان، فلا شك أن عثمان رضي الله عنه لا يمكن أن يظن بالناس تلك الظنون التي نسبت إليه، لكن العبارة الموجودة أقرب: (ومحبي عثمان تظن بالأكابر ظنون السوء) يعني: أنهم كانوا بعيدين عن المدينة ولا يعرفون ماذا حدث، ويظنون أن الصحابة قصروا في حق عثمان، ولم تبلغهم الأخبار على وجهها، فأبوا أول الأمر مبايعة علي حتى يقتص لـ عثمان، والقضية اجتهادية بين المسلمين، لم يكن فيها قصد الهوى أو الفرقة كما هو معروف.
قال رحمه الله تعالى: [وبلغ عنهم أخباراً منها ما هو كذب، ومنها ما هو محرف، ومنها ما لم يعرف وجهه، وانضم إلى ذلك أهواء قوم يحبون العلو في الأرض، وكان في عسكر علي رضي الله عنه من أولئك الطغاة الخوارج، الذين قتلوا عثمان من لم يعرف بعينه، ومن تنتصر له قبيلته، ومن لم تقم عليه حجة بما فعله، ومن في قلبه نفاق لم يتمكن من إظهاره كله، ورأى طلحة والزبير أنه إن لم يُنْتَصَرْ للشهيد المظلوم، ويقمع أهل الفساد والعدوان، وإلا استوجبوا غضب الله وعقابه، فجرت فتنة الجمل على غير اختيار من علي، ولا من طلحة والزبير، وإنما أثارها المفسدون بغير اختيار السابقين، ثم جرت فتنة صفين لرأي؛ وهو أن أهل الشام لم يعدل عليهم، أو لا يتمكن من العدل عليهم، وهم كافون، حتى يجتمع أمر الأمة، وأنهم يخافون طغيان من في العسكر، كما طغوا على الشهيد المظلوم].
يعني: أن علياً رضي الله عنه لا يستطيع تحقيق مطلب أهل الشام الذين أرادوا الاقتصاص من قتلة عثمان؛ لأن علياً رضي الله عنه والذين خرجوا معه من المدينة أعرف من أهل الشام بتفاصيل القضية وبملابساتها، وبأحوال الجيش الذي مع علي، والذي منه قتلة عثمان، ومنهم من لا يعرف بعينه، ومنهم له أحوال لا يمكن معها إقامة القصاص ما لم تجتمع كلمة المسلمين على إمام واحد، فينفذ أمره.
فالمسألة مسألة وجهة نظر، فكل من الصحابة ومن كان في الجيش في الجملة يريد مطلباً يرى أنه هو الشرعي، وأنه الذي به يكون الحق، لكن لا يخلو من بين هؤلاء وبين هؤلاء من يريد الفتنة، ولله الأمر من قبل ومن بعد، لكن ليس من الصحابة، وهذا مما يجب أن يفهم، لم يثبت ولن يثبت أن أحداً من الصحابة كان صاحب هوى أو له مطلب أو سلطان، لم يكن أحد منهم يريد ذلك، لكن ممن التفوا حولهم من قتلة عثمان، ومن الشيعة السبئية والخوارج وأهل النفاق، وقليلي الفقه في الدين، وحدثاء الأسنان الذين تأخذهم العواطف ولا يقدرون الأمور بقدرها، وليس عند